لعل البدايات كما كان أستاذي القديم سوريانوس يقول، ما هي إلا محض أوهام نعتقدها. فالبداية و النهاية، إنما تكونان فقط في الخط المستقيم. ولا خطوط مستقيمة إلا في أوهامنا، أو في الوريقات التي نسطر فيها ما نتوهمه. أما في الحياة وفي الكون كله، فكل شئ دائري يعود إلى ما منه بدأ، ويتداخل مع ما به إتصل. فليس ثمة بداية ولا نهاية على الحقيقة، وما ثم إلا التوالي الذي لا ينقطع، فلا ينقطع في الكون الإتصال، ولا ينفصم التداخل، ولا يكف التفريغ، ولا الملئ ولا التفريغ… الأمر الواحد يتوالى إتصاله، فتتسع دائرته لتتداخل مع الأمر الآخر، وتتفرع عنهما دائرة جديدة تتداخل بدورها مع بقية الدوائر. فتمتلئ الحياة، بأن تكتمل دائرتها، فتفرغ عند إنتهائنا بالموت، لنعود إلى ما منه إبتدأنا…
لطالما أحببت الأشياء التي تتم، فقط، في داخلي. يريحني أن أنسج الوقائع في خيالي، وأحيا تفاصيلها حيناً من الدهر، ثم أنهيها وقتما أشاء…
أي ذكرى مؤلمة بالضرورة. حتى لو كانت من ذكريات اللحظات الهانئة، فتلك أيضاً مؤلمة لفواتها…
كأن الكون قد خلا تماماً عن الحسيس والأنيس، عن الإنس والجن والملائكة والشياطين. وكان الرب غائباً عني، أو كان يستريح من خلق جديد، صنعه في ستة أيام أخرى. كنت وحدي أجوس بين الطين، والرمال، وأطراف البحر والبحيرات، والأرض السبخة… مبتعداً عن الإسكندرية…
رأيت أمامي ثانية الشجر والناس، وأدركت لأول مرة أن الناس شجر، وأن الشجر مثل الناس، غير أن عمر الإنسان قصير…
للصلاة فعل كالسحر. فهي مراح للأرواح، ومستراح للقلب المحزون، وكذلك القداسات التي تغسلنا من همومنا كلها، بأن تلقيها عن كاهلنا إلى بساط الرحمة الربانية، فنرتاح إلى حين. ثم يعاودنا إليها الحنين ما دمنا مؤمنين بالرب، فإن خرجنا عن حظيرة الإيمان إنفردنا، وصرنا فريسة تمزقها مخالب القلق وأنياب الأفكار…
إن للرب في هذا العالم رجالاً متوغلين في أسرار المحبة، لا يعرف أقدارهم إلا الكاملون…
أدركت بعد طول تدبر أن الآلهة على إختلافها، لا تكون في المعابد والهياكل والأبنية الهائلة، وإنما تحيا في قلوب الناس المؤمنين بها. وما دام هؤلاء يعيشون، فآلهتهم تعيش فيهم، فإن إندثر أولئك إنطمر هؤلاء.
شاركني رأيك